الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة
.المسألة الثانية: حد القذف، والحكمة منه: 1- حد القذف: لقد قرر الشارع أن من قذف مسلماً بالزنى، ولم تقم بينة على صدقه فيما قذف به أنه يجلد ثمانين جلدة إن كان حراً، وأربعين إن كان عبداً، رجلاً كان أو امرأة، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]. ويجب على القاذف- مع إقامة الحد عليه- عقوبة، وهي رد شهادته والحكم بفسقه؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4].فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، وتوبته: أن يكذب نفسه فيما قذف به غيره، ويندم ويستغفر ربه، لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5]. 2- الحكمة منه: يهدف الإسلام من إقامة حد القذف إلى صيانة المجتمع، والمحافظة على أعراض الناس، وقطع ألسنة السوء، وسد باب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين. .المسألة الثالثة: شروط إيجاب حد القذف: لا يجب حد القذف إلا إذا توافرت شروط في القاذف، وشروط في المقذوف، حتى يصبح جريمة تستحق عقوبة الجلد:أولاً: شروط القاذف، وهي خمسة: 1- أن يكون بالغاً، فلا حد على الصغير. 2- أن يكون عاقلاً، فلا حد على المجنون والمعتوه. 3- ألا يكون أصلاً للمقذوف، كالأب والجد والأم والجدة، فلا حدَّ على الوالد- الأب أو الأم- إن قذف ولده- الابن أو البنت- وإن سفل. 4- أن يكون مختاراً، فلا حد على النائم والمكره. 5- أن يكون عالماً بالتحريم، فلا حد على الجاهل. ثانياً: شروط المقذوف، وهي خمسة أيضاً: 1- أن يكون المقذوف مسلماً، فلا حدَّ على من قذف كافراً؛ لأن حرمته ناقصة. 2- أن يكون عاقلاً، فلا حدَّ على من قذف المجنون. 3- أن يكون بالغاً أو يكون ممن يطأ ويوطأ مثله، وهو ابن عشر وبنت تسع فأكثر. 4- أن يكون عفيفاً عن الزنى في الظاهر، فلا حدَّ على من قذف الفاجر. 5- أن يكون المقذوف حراً، فلا حدَّ على من قذف مملوكاً، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قذف مملوكه بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال». قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه إشارة إلى أنه لا حدَّ على قاذف العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، لكن يعزر قاذفه؛ لأن العبد ليس بمحصن...". فتبين مما تقدم أن شرط إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف محصناً، وهو من كان: مسلماً، عاقلاً، حراً، عفيفاً عن الزنى، بالغاً أو يكون ممن يطأ أو يوطأ مثله. وذلك لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]. فمفهوم ذلك: أنه لا يُجلد من قذف غير المحصن. .المسألة الرابعة: شروط إقامة حدَّ القذف: إذا وجب حدُّ القذف فإنه لابد من شروط أربعة لإقامته، وهي:1- مطالبة المقذوف للقاذف، واستدامة الطلب حتى إقامة الحد؛ لأن حدَّ القذف حق للمقذوف لا يقام إلا بطلبه ويسقط بعفوه. فإذا عفا عن القاذف سقط الحد عنه، لكنه يُعَزر بما يردعه عن التمادي في القذف المحرم. 2- ألا يأتي القاذف ببينة على ثبوت ما قذف به- وهي أربعة شهداء-؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4]. 3- ألا يصدقه المقذوف فيما قذفه به ويقر به، فإن أقر المقذوف، وصدَّق القاذف، فلا حدَّ؛ لأن ذلك أبلغ في إقامة البينة. 4- ألا يلاعن القاذف المقذوف، إن كان القاذف زوجاً، فإن لاعنها سقط الحد، كما مضى في اللعان. .الباب الرابع: في حد شارب الخمر: وفيه مسائل:.المسألة الأولى: تعريف الخمر وحكمه وحكمة تحريمه: 1- تعريف الخمر:الخمر لغة: كل ما خَامَرَ العقل، أي غطاه من أي مادة كان. وشرعاً: كل ما أسكر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو غيره، أو مطبوخاً أو غير مطبوخ. والسُّكْر: هو اختلاط العقل، والمُسْكِر: هو الشراب الذي جعل صاحبه سكران، والسكران: خلاف الصاحي. 2- حكمه: حكم الخمر التحريم، وكذا سائر المسكرات، فكل مسكر خمر، فلا يجوز شرب الخمر، سواء كان قليلاً أو كثيراً، وشربه كبيرة من الكبائر، والخمر محرمة بالكتاب والسنة والإجماع؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]. فالأمر بالاجتناب دليل على التحريم. ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كل شراب أسكر فهو حرام». وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام». والأحاديث في تحريمها، والتنفير منها، كثيرة جداً تبلغ التواتر. وقد أجمعت الأمة على تحريمها. 3- الحكمة في تحريم الخمر: لقد أنعم الله عز وجل على الإنسان بنعم كثيرة، منها نعمة العقل التي ميزه بها عن سائر المخلوقات، ولما كانت المسكرات من شأنها أن تفقد الإنسان نعمة العقل، وتثير الشحناء والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن الصلاة، وعن ذكر الله، حرمها الشارع، فالخمر خطرها عظيم، وشرها جسيم، فهي مطية الشيطان التي يركبها للإضرار بالمسلمين. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: 91]. .المسألة الثانية: حد شارب الخمر، وشروطه، وبم يثبت؟ 1- حد شارب الخمر:حد شارب الخمر الجلد، ومقداره: أربعون جلدة، ويجوز أن يبلغ ثمانين جلدة، وذلك راجع لاجتهاد الإمام، يفعل الزيادة عند الحاجة إلى ذلك، إذا أدمن الناس الخمر، ولم يرتدعوا بالأربعين؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة الوليد بن عقبة: «جلد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّةٌ، وهذا أحب إليَّ»، ولحديث أنس رضي الله عنه: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين». 2- شروط إقامة حد الخمر: يشترط لإقامة الحد على السكران شروط، وهي: - أن يكون مسلماً، فلا حدَّ على الكافر. - أن يكون بالغاً، فلا حد على الصبي. - أن يكون عاقلاً، فلا حد على المجنون، والمعتوه. - أن يكون مختاراً، فلا حد على المكره والناسي وأمثاله. وهذه الشروط الثلاثة يدل عليها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه». وقوله صلى الله عنه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة…» الحديث. وقد تقدما مراراً. - أن يكون عالماً بالتحريم، فلا حد على الجاهل. - أن يعلم أن هذا الشراب خمر، فإن شربه على أنه شراب آخر، فلا حد عليه. 3- ما يثبت به حد الخمر: يثبت حد الخمر بأحد أمرين: 1- الإقرار بالشرب، كأن يقر، ويعترف بأنه شرب الخمر مختاراً. 2- البينة، وهي شهادة رجلين عدلين، مسلمين عليه. .المسألة الثالثة: حكم المخدرات والاتجار بها: 1- حكم المخدرات سوى الخمر:يقصد بالمخدرات ما يغشي العقل والفكر، ويصيب متعاطيها بالكسل، والثقل، والفتور، من البنج والأفيون والحشيش ونحوها. والمخدرات حرام كيفما كان تعاطيها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كل شراب أسكر فهو حرام»، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام…» الحديث، ولعظم خطر هذه المواد المخدرة، وشدة إفسادها، وفتكها بشباب الأمة، ورجالها، وشغلهم عن طاعة ربهم، وجهاد أعدائهم، ومعالي الأمور. 2- حكم الاتجار بالمواد المخدرة: ورد النهي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تحريم بيع الخمر، فقد روى جابر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام». ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه». ولذا قال العلماء: إن ما حرم الله الانتفاع به يحرم بيعه، وأكل ثمنه. ولما كانت المخدرات يتناولها اسم الخمر، فإنَّ النهي عن بيع الخمر يتناول هذه المخدرات شرعاً، فلا يجوز بيعها إذن، ويكون المال المكتسب من الاتجار بها حراماً. .الباب الخامس: في حد السرقة: وفيه مسائل:.المسألة الأولى: تعريف السرقة، وحكمها، وحد فاعلها، والحكمة من إقامة الحد فيها: 1- تعريف السرقة:السرقة لغة: الأخذ خفية. وشرعاً: أخذ مال الغير خفية ظلماً من حرز مثله بشروط معينة، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله. 2- حكم السرقة: السرقة حرام؛ لأنها اعتداء على حقوق الآخرين، وأخذ أموالهم بالباطل. قد دلَّ على تحريمها الكتاب والسنة والإجماع، وهي من كبائر الذنوب؛ فقد لعن الله صاحبها كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده». وغير ذلك من الأحاديث في تحريم السرقة، والتنفير منها. 3- حدُّ فاعلها: ويجب على فاعلها الحد، وهو: قطع يده، رجلاً كان أو امرأة؛ لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]. ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً»، ولحديث عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وفيه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. وأجمع المسلمون على تحريم السرقة، وعلى وجوب قطع يد السارق في الجملة. 4- الحكمة من إقامة حد السرقة: احترم الإسلام المال، واحترم حق الأفراد في امتلاكه، وحَرَّم الاعتداء على هذا الحق: بسرقة أو اختلاس أو غش أو خيانة أو رشوة، أو غير ذلك من وجوه أكل أموال الناس بالباطل. ولما كان السارق عضواً فاسداً في المجتمع- إذ لو ترك لسرى شرُّه، وعمَّ خطره وضرره- شرع الإسلام بتر هذا العضو الفاسد؛ عقاباً لهذه اليد على ظلمها وعدوانها، وردعاً لغيره عن اقتراف مثل هذه الجريمة، وصيانة لأموال الناس وحقوقهم. |